الزمان .. التاسع من أبريل عام 2003، المكان.. ساحة الفردوس الشهيرة بقلب بغداد، الحدث.. إسقاط تمثال صدام حسين، الممثلون: الجنود الأمريكيون بمساعدة عدد من الكومبارس العرب، الحضور.. صحفيو العالم في فندق فلسطين الذي يطل على ساحة الفردوس ومن ورائهم دول العالم بأسرها، تمثيل وإخراج: وحدة الحرب النفسية بالجيش الأمريكي.
تلك كانت هي المسرحية الأمريكية التي كانت تهدف إلى تعميق معنى السقوط لدى العراقيين، وهو طعم ابتلعه الجيش العراقي الذي كان مفككًا من قبل وتبخر في الهواء بعد هذه الواقعة، وقام العسكريون بخلع زيهم وارتداء الملابس المدنية والانخراط بين المواطنين استسلامًا لتلك المسرحية التي أخرجها حفنة من الضباط بالجيش الأمريكي.
واليوم وبعد 3 أعوام من الاحتلال الأمريكي للعراق يتأكد العالم أن بغداد لم تسقط حتى اليوم؛ بالرغم من أنها لم تصمد أيضًا، ولكنها ظلت عصية على الركوع للمحتل الأمريكي بشهادة الغرب أنفسهم، فلا تستطيع أمريكا حتى اليوم السيطرة سوى على المنطقة الخضراء منها لا غير، أما فيما عدا ذلك فلا يزال ساحة مفتوحة للقتال والذب عن عاصمة الخلافة الإسلامية، وقد ظلت أمريكا بقواتها في العراق في ثلاثة أعوام من السقوط حتى الآن.
وهذا الملف يرصد أحوال العراق وموقف أمريكا فيها، عن مفهوم 'السقوط' من النواحي الأخلاقية والإعلامية والحضارية والعسكرية، كما يرصد موقف المقاومة العراقية من الاحتلال، واستراتيجيته الجديدة في العراق، وعن حيل أمريكا الجديدة لانتشالها من 'سقوطها' في المستنقع العراقي، وما فعلته من نهب للثروات العلمية والاقتصادية للبلاد، وما أفرزه الاحتلال من أجواء الفساد والسلب والنهب والحرب الأهلية وإذكائها ما بين الأطراف لتحقيق مصالحها الذاتية وهدفها الحقيقي الذي جاءت من أجله، وهو تأمين 'إسرائيل' عن طريق تقسيم العراق، وعن طريق القضاء على صدام حسين والجيش العراقي، وعن طريق احتلال منابع النفط والسيطرة على الشرق الأوسط.
وتعد الحرب الأهلية هي الخطوة الأولى على طريق إخراج الولايات المتحدة من ورطتها في المنطقة؛ ألا وهو تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة وعدم السماح بوجود دولة واحدة قوية لا سنية ولا شيعية، ولكنها تريد تقسيم العراق إلى تلك الدويلات التي بها مقومات الاشتعال في أي لحظة ليظل مبرر وجودها قائمًا في المنطقة، والإمساك بخطام أنف السنة والشيعة من خلال دولتين شيعية وسنية، وإدخال المنطقة بأكملها في صدام بين السنة والشيعة، بين إيران والدول العربية، والاستفادة من الأكراد كورقة ضغط وحمايتهم نظير الاستيلاء على نفط كركوك، وأن تظل الداعم الوحيد للأكراد ما بين إيران وسوريا وتركيا.
ويأتي هذا الملف محاولة لتسليط الضوء على أهم النقاط في المعادلة العراقية بعد ثلاث سنوات من الاحتلال الأمريكي، ورصد أهم الأوضاع العسكرية والاقتصادية والاجتماعية داخل العراق، إضافة إلى الأوضاع أمريكا داخليًا وموقف جنودها وأوضاعهم على الأرض في العراق.