والرأي لكم
نحن والقروض.. اليوم ضيعت اللبن!!
د. عبدالعزيز بن علي المقوشي
يشير تقرير لمؤسسة النقد أن المصارف السعودية اتجهت منذ عام 1999م إلى التوسع في منح القروض الاستهلاكية للأفراد من نحو 9مليارات في نهاية عام 1998م إلى أكثر من 180مليار ريال في نهاية العام الميلادي 2005م!! ولا أدري عن الرقم الذي وصله الآن.
@ ويشير التقرير أيضا إلى ارتفاع إجمالي القروض في عام 2005م بنسبة تزيد عن 56% مقارنة بنمو نسبته أكثر من 57% في العام السابق.
@ وتمثل القروض الشخصية للأفراد نسبة لا بأس بها من حجم تلك القروض وتتركز تلك القروض أيضا على الجوانب الاستهلاكية مثل شراء السيارات والأثاث وغيرها من المواد الاستهلاكية والسلع والكماليات!!.
@ وتشير تقارير متعددة إلى أن قروض بطاقات الإئتمان قد زادت في عام 2005م بنسبة أكثر من 30% حيث وصلت إلى أكثر من أربعة مليارات ريال!!.
@ ولم اطلع على حجم تعثر تحصيل القروض والديون تلك.. بل لم أحاول البحث عن ذلك لأنني أريد أن أصبح كالنعامة أدس رأسي في الرمال حتى لا أتعرف على واقع قد يصدمني!!.
@ لكنني عندما أقرأ تلك الأرقام.. أتذكر ذلك الخليجي الذي لقيته صدفة في إحدى قرى الريف الإنجليزي قبل أكثر من عشر سنوات.. ذلك الخليجي أمسك بي طالبا "الفزعة"!! يريد مسكنا مجانيا حيث لا يملك من المال ما يمكنه من السكن في فندق!! كان يبحث عن منزل طالب خليجي قرر قضاء إجازته في مسقط رأسه وأغلق منزله بحيث يسكنه ذلك الخليجي وأسرته الصغيرة!! وبينما كنت وإياه نبحث عن مسكن "رخيص أو مجاني!!" سألته بفضول عن سبب سفره إلى بريطانيا عندما لاحت من وجهه علامات الإعياء والتعب الجسدي والنفسي.. لم يجب بل أشار بأصبعه إلى زوجته صارخا بوجهها أنها السبب في كل هذا!! الخليجي ذاك أكد لي أنه لا يحب السفر لبريطانيا ولا يقوى عليه ماديا لكن زوجته المصونة فرضت عليه أن تقضي الأسرة كامل فصل الصيف في بريطانيا حتى ولو بقيت في جحر ضب.. الهدف كان يتركز فقط في أن تعود نهاية الصيف إلى الوطن لتنسج الحكايات عن سفر الصيفية حتى ولو كان نصف ما تقوله كذبا!! يقول الخليجي المذكور انه اقترض من أجل شراء التذاكر!! ولا يريد الاقتراض أيضا من أجل المأوى والمشرب!! حمدت الله على سلامة العقل.
@ وفي وطننا كثيرون يشبهون ذلك الخليجي.. أصبحت الرحلة الصيفية أساسا لحياة الجميع حتى ولو لم يجدوا ما يأكلون!! وأصبح التساهل بالقروض للسفر ولتغيير السيارة وتبديل الأثاث وغيرها كثير أمرا حتميا!!.
@ وتتحمل الجهات المقرضة جميعها في نظري مسؤولية بناء هذا النوع من السلوك الاستهلاكي المشين!.
@ فقد أكد محللون أن البنوك السعودية تكافح لاستغلال ما تراكم لديها من مدخرات العملاء وتحاول تطوير عمليات الإقراض بعد أن خسرت جانبا من دخلها من الرسوم والعمولات في انهيارات سوق الأسهم وابتعاد الناس عن صالات وشاشات التداول.
@ كما تساهم تسهيلات منح بطاقات الائتمان وتمديد فترات التسديد وغيرها من التسهيلات في فتح شهية الكثيرين للولوج في هذا النفق المظلم.
@ الذي أخشاه مع هذه الأرقام المخيفة من حجم القروض ومع هذا التنامي المتسارع لها أن يتحول كل السعوديين إلى مدينين وأن تتراكم الديون وتتعثر جهاتها في تحصيلها وأن يحدث ما لا تحمد عقباه ومن هنا أظن أن علينا تدارك الوضع قبل أن يقول الحكيم فينا "اليوم ضيعت اللبن"!!.
@ ولعل مؤسسة النقد تواصل جهودها في "التضييق" على مانحي القروض والحاصلين عليها كما أن عليها في نظري العمل بجهود مضادة لحملات الجهات المقرضة التي تفتح شهية المسكين ثم "تورطه" بديون لاقبل له بها.. ودمتم.