الأخ راشد
بعد التحية أود في البداية أن أشكرك شكراً جزيلاً على أن فتحت لنا الحديث في هذا المجال، الذي كنا نتمنى أن يُفتح وأن يُناقش ليطلع عليه الجميع، من أبناء الزلفي وغيرهم من الباحثين، الذين يرون أن ثمة "غَبَش" وعدم وضوح يشوب تاريخ بدايات الاستيطان في الزلفي!
لذلك جاءت مشاركتك الثمنية هنا، لتفتح الباب للنقاش في هذا الفضاء الرحب ولطرح الأفكار والآراء التي من شأنها أن تُثير الكثير من التساؤلات! حول "نزول" الاساعدة في الزلفي.
وقبل الدخول في طرح بعض الآراء والأفكار أود أن أُبين للقارئ الكريم هذه النقاط:
- أن "صالح" لم يرد له ذكر في أي مصدر، من المصادر التاريخية النجدية، ولم يتملك الزلفي ولا غيرها، وأن الذين ذُكروا في المصادر التاريخية هم "الفراهيد" وحدهم، وإن لم يُعجب ذلك الأخ راشد، فليس مهماً! كما أنه لا يُعرف متى عاش أو نزل صالح؟! سواءً على الزلفي أو غيرها، وأول ذكر لصالح جاء عند حفيده الراوية الشاعر منديل الفهيد، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وتعريف "منديل" لجده وتحديد مسار رحلته ورحلة أبنائه من بعده، هو المصدر الوحيد لنا، وهو الأقرب للصواب، حيثُ أن الشواهد في الأسياح تؤيد رأي الشيخ منديل، بل وتؤكده!
- أنه لايوجد أيُ دليل على أن حمد بن راشد كان اميراً على الزلفي عام 1113هـ، وهذا يجب أن يُعلم خاصةً من قبل الشباب الباحثين، وحتى نُسهل عليهم مهمة البحث نقول بأن أول من ذكر ذلك هو الشيخ عبدالله بن بسام، في كتابه التراجمي "علماء نجد خلال ستة قرون" ومعلوم علمياً ومنهجياً أنه لايمكن الاعتداد بقوله، حيثُ أنه معاصر لنا – توفي رحمه الله في عام 1423هـ، ولايمكن أخذ قوله على إمارة رجل يُفترض أنه موجود قبل 300 سنة! إنما يؤخذ قول الشيخ رحمه الله استئناساً في ظل وجود الدليل!
- أن أول ذكر لإمارة الراشد على الزلفي كان بعد حادثة "ثويني" على التنومة، بل وبعدها بثلاثة عقود! حيثُ أن أول ذكر جاء عند الفاخري للأمير ناصر الراشد، وذلك عام 1237هـ، ولا يوجد أيُ أمير قبله على الزلفي من آل راشد! ومن قال بغير ذلك فليأت بالدليل!
- أن المؤرخ "ابن ربيعة" لم يَهم! بل هو مؤرخ منصف! وهو قاضي ثقة ثبت! كما أن تأريخه لأحداث الزلفي يكتسب مصداقية وأهمية كبرى لاتتوفر عند غيره من المؤرخين، وذلك أنه مؤرخ معاصر حينما مَلَكَ الفراهيدُ الزلفي، وقريب من مسرح الأحداث، وقاضي يُشار إليه بالبنان! فلا يمكن أن يُتهم بـ"الوهم" والحالة هذه! إلا إذا وجدنا نصاً لمؤرخٍ معاصر لابن ربيعة، ورد فيه ذكر غير الفراهيد، فيمكن والحالة هذه أن يتهم "ابن ربيعة" بالوهم، أما أن يُتهم لأن ابن بشر الذي جاء بعده بأكثر من قرن ذكر الراشد! فذلك غير مقبول علمياً ولا منهجياً، وبالإمكان الرد عليه، فابن بشر مؤرخ للدولة السعودية الثانية (ت 1290هـ) وحينما كان يكتب تاريخه كانت إمارة الزلفي لآل راشد، فظنّ أن آل راشد الموجودين الآن، هم الذين قاموا بالفعل والحدث مع الفراهيد، والدليل على ذلك قوله (الفراهيد المعروفين بالراشد) وهو أن الفراهيد الذين قاموا بالحدث هم الراشد الحاضرين حال كتابة التاريخ! ولو كان ابن بشر يُصحح أو يستدرك على ابن ربيعة، كما يقول الأخ راشد ويزعم، لحذف ابن بشر كلمة "الفراهيد" واستبدلها بالراشد فقط! أوَ ليست مهمته الاستدراك على ابن ربيعة؟!! وهذا الأمرُ نجده واضحا وجلياً عند المؤرخ مقبل الذكير في مخطوطته "العقود الدرية في تاريخ البلاد النجدية" حيث قال (الفراهيد المعروفين الآن بآل راشد!!) فما معنى قوله: المعروفين الآن؟!! يعني أنهم لم يكونوا معروفين قديماً بالراشد! إنما يعرفون بالفراهيد، في حين أنهم الآن الراشد!
- العبارة التي وردت عند ابن بشر وهي قوله (الفراهيد المعروفين بالراشد) أشغلت الأخ راشد كثيراً، وعلى ضوئها فقط يريد أن يُعيد كتابة التاريخ! وجنح بعيداً في أحلام تفسيراتها!! والحقيقة أن النص واضح وصريح، وهو أن ابن بشر قد أختصَّ أناساً بعد تفصيل! فقد ذكر الفخذ أو الاسم الشهير ثم اختصّ منهم الراشد! ومثال ذلك حينما نقول: "في القرن العاشر الهجري أنجدَ العتبان المعروفون بالأساعدة" أي أن الأساعدة وحدهم قد أنجدوا دون غيرهم! ومثال ذلك أيضاً حينما تقول: "في مطلع القرن الرابع عشر الهجري كانت إمارة الزلفي لآل راشد المعروفين بالبداح"! أي أن الإمارة لآل البداح دون غيرهم من أُسر الراشد! وهم من الراشد بالطبع! ومثال ذلك أيضاً حينما تقول: "بعد معركة التنومة تملك الراشد المعروفين بآل الفهيد العين وعمروها بإذن الإمام عبدالعزيز بن محمد" أي ليس كل الراشد تملكوا العين، إنما آل الفهيد الكرام دون غيرهم!
- أنه لم يرد أي ذكر لآل راشد منفردين!! على عكس الفراهيد، الذين قُيدت الأحداث باسمهم منفردين عند أكثر من مؤرخ! أما آل راشد فلايأتي ذكرهم عند المؤرخين إلا مقرونين وتابعين للفراهيد! وأتمنى على الأخ راشد أن يُفسر لي هذه الملاحظة!
- أن الفراهيد هم أول وأقدم من ذُكر من أسر الأساعدة في نجد تاريخياً! كما أنهم أقدم من ذُكر وثائقياً!
- أن الفراهيد هم أول من ذُكر أنهم اساعدة من الروقة من عتيبة في كتب التاريخ! وأتمنى من الأخ راشد أن يُجيب عليّ: لماذا الفراهيد هم الذين ذكروا أنهم أساعدة؟! أرجوك لا تقول وَهَمَ ابنُ عيسى؟! فقد اشغلتنا كثيراً بأوهامك!
خروجاً من هذه النقاط، أقولُ: يحاول الأخ راشد، أن يجعل "صالح" هو المحور والمرتكز الأساسي في كتابة تاريخ الأساعدة في نجد! وهذا قول باطل، لايدعمه دليل ولا يسنده نص! فـ"صالح" هو الذي جاء من الحجاز وحده! وهو الذي نزل على "المجمعة" وحده! وهو الذي أخرج آل المحدث من الزلفي وحده! وهو الذي مَلكَ الزلفي وحده في عام 1113هـ وليس كما يفتري ويكذب المؤرخون الذين نسبوا مُلكية الزلفي للفراهيد! وهو الذي بسببه سُميت الزلفي بـ"الزلفي" وهو الذي مَلكَ "الأسياح" وحده!
إنني أعجب كل العجب من هذا الرجل "صالح" الذي فعل كل هذه الأفاعيل، خاصةً إجلاء فخذ شهير من الزلفي "آل المحدث" وتملُكه للزلفي وحده! أقول أعجب كيف يفعل ذلك ويهمله المؤرخون؟!!
فـ"صالح" الذي فعل هذه الأفاعيل، لم يرد له أي ذكر لا في كتب التاريخ النجدية، سواءً تلك التي عاصرت الأحداث أو التي جاءت بعد ذلك! فهل يُعقل أن يفعل "صالح" ذلك ويهمله المؤرخون؟!
ما هذا الذي فعلته يابن ربيعة؟! كيف استأمنك الناسُ على قضائهم والفصل في مصالحهم، ومع ذلك تتجاهل صالح وتتجاوزه إلى الفراهيد؟! وليتك فعلت ذلك مرةً واحدة أيها المؤرخ الجليل! بل أمعنت في تجاهل "صالح" حتى وأنت تدون حادثة 1128هـ، فلماذا فعلت ذلك؟! ألم يدر بخلدك، رحمك الله، أنه سيأتي اليوم الذي تُتهم فيه بـ"الوهم" وأنه سيتم الاستدراك على ما كتبت؟! إذا ما فائدة ما كتبته؟! هل كان ذلك عبثاً منك؟ أم تحدياً لصالح؟!
لقد اختزل الأخ راشد، تاريخ الاساعدة في نجد في شخص "صالح" معترضاً على التاريخ ونصوصه الصريحة! بل وأوغل في تطرفه حينما أعاد كتابة نصوص "ابن ربيعة" وهو موقف مُضحك جداً جداً! وكم كنت أتمنى على الأخ راشد لو حذفه! فقد أشفقتُ عليه، وربي، حينما وصل إلى هذه المرحلة اليائسة من التحليل! ولكني سأسأله لماذا أغفلتَ ذكر أُسر الفرج والحباشا والملا والعطيوي وغيرهم ولم تضفهم إلى نصك التاريخي المجيد؟! أليسوا اساعدة؟!!
أليس لهم حق مثل غيرهم؟! فحينما نال فضلك الفراهيد والنافع، فلماذا لم يمتد ليشمل تلك الأسر الكريمة؟!
مهزلة ليس بعدها مهزلة! وكم ذا بنجدٍ من المضحكات!
من هو صالح؟!
لا أحد يستطيع الإجابة! فأول ذكر له ورد عند حفيده الشاعر الراوية منديل الفهيد، وهو في قوله في ملحمته:
الاسياح كله منزل الجد صالح
وراشد بظني هو كبير اظناه
نزل بعلقة من عقب سكنى المجمعة
وأكبر عياله رحل عنه وابداه!
هذا أقصى تعريف موجود لـ"صالح" !
صالح نزل على الفراهيد في علقة، وليس غريباً عليه ذلك، فقد سبقوه في النزول، وبعد نزوله ارتحل ابناؤه الأربعة إلى التنومة، وهناك وثيقة كُتبت في عام 1363هـ، وقد كتبها أحد مشاهير الأسياح، وأعيد نسخها في عام 1403هـ، وقد أطلعتُ عليها ونقلتها بنصها من أحد أعيان آل راشد الكرام، أبناء الأسياح، وسترد الوثيقة بنصها في كتاب أعدَّه أحد الأخوة عن "الأساعدة في نجد" ومضمون الوثيقة توزيع أملاك أبناء صالح في الاسياح! وورد في الوثيقة أن ابناءه أربعة من الرجالات، وهم راشد، وعمار وعمران وعامر.
وذُكر في الوثيقة اسماء أملاك الأربعة جميعاً، والغريب في الأمر- وليس غريباً- أنه ذُكر في الوثيقة أن لراشد بن صالح، مُلك اسمه "حسو راشد" بالبرود بالاسياح ولايزال هذا الملكُ ماثلاً إلى اليوم!
نزل راشد وابناؤه التنومة، ثم تفرقوا منها إلى بعض قرى ومدن القصيم! فالفهيد حسب كلام منديل الفهيد، انتقلوا من التنومة إلى "العين"! وآل فوزان انتقلوا من التنومة إلى "بريدة" ولهم مُلك في التنومة اسمه "الفايزية" لايزال معروفاً إلى اليوم، وآل جاسر بن راشد، انتقلوا من التنومة إلى "طريف" بالاسياح، وآل ناصر بن راشد، انتقلوا من التنومة إلى الزلفي بعد معركة "ثويني" عام 1201هـ، ولايزال لذرية ناصر مُلك هناك اسمه "صبحا" وهو خاص بناصر بن راشد، جد الأسر الكريمة "النواصر" في الحيطان بالزلفي .
فإذا كان راشد وذريته قد عاشوا في التنومة ثم تفرقوا منها بعد معركة "ثويني" فعلى مَن كان حمد بن راشد أميراً؟!!!!
هل هو أمير على نفسه؟! أم أمير على "الفراهيد" الذين ملكوا الزلفي، بنص التاريخ؟!
وإذا كان اميراً على "الفراهيد" فهل هو منهم؟ أم أنهم استعانوا به لإدارة شؤون منطقتهم التي ملكوها واستقر لهم الأمر فيها؟!
إن القارئ للتاريخ، بعين الانصاف والعقل، يعلم تمام العلم، أن اول ذكر لأمير على الزلفي من آل راشد كان في عام 1237هـ، وما قبله لم يرد أي ذكر لأمير من امراء آل راشد! وأتحدى من يقول غير ذلك أن يُثبت ذلك!
فإذا كان آل راشد هم الذين ملكوا الزلفي عام 1113هـ، ثم أصبحت لهم الإمارة بعد ذلك، أقول: لماذا يتمُ تغييبهم من التاريخ! إذ لم يُنسب لهم الفعلُ في مُلكية الزلفي! ولم يُذكر منهم أمير على الزلفي إلا بعد تفرق آل راشد من التنومة بعد المعركة الشهيرة! عام 1201هـ
هل من المنطق أن يغيب ذكر إمارة الراشد طيلة 124 عاماً، فلا يرد ذكرٌ لأمير منهم؟! وحينما ذكروا لاحقاً على لسان ابن بشر وغيره، جاء ذكرهم مقروناً بالفراهيد!!
ولماذا لم يذكر ابنُ بشر في "سوابقه" أمراء آل راشد على الزلفي؟! أليست مهمته الاستدراك على ابن ربيعة وانصاف الراشد من تجاهله لهم؟!!!!